٥٦١- سؤال من الأخ س .. ي .. من الجزائر، يقول: شخص أخرج زكاة ماله وسلمها لوكيله لتوزيعها على الفقراء، فتم سرقة مال الزكاة في الطريق، فهل يخرجها من جديد؟ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فالواضح من السؤال أن شخصًا دفع زكاة ماله إلى وكيل له ليؤديها إلى مستحقيها فسرقت منه. والجواب أن هذه المسألة كانت مدار خلاف بين الفقهاء -رحمهم الله-؛ ففي مذهب الإمام أبي حنيفة أن من أتلف الثمار أو الزرع أو أكلها بعد وجوب الزكاة فيها ضمنها، وكانت دينًا في ذمته، كما لو أتلف مال الزكاة بعد حولان الحول(١). وقال أبو يوسف -رحمه الله -: إن كانت دينًا في الذمة بأن استهلك مال الزكاة بعد الحول وبقي في ذمته، وملك مالًا آخر فإنه تجب عليه الزکاة، ولا یمنع ما في ذمته من الوجوب(٢). وفي مذهب الإمام مالك قال الإمام -رحمه الله- في الرجل يخرج زكاة ماله عند محلها ليفرقها فتضيع منه: إنه إن لم يفرط فلا شيء عليه، فهذا يجمع لك كل شيء. قال ابن القاسم: قلت: أرأيت الحنطة والشعير والتمر والسلت إذا أخرج زكاته قبل أن يأتيه المصدق فضاع ذلك، أهو ضامن؟ قال: نعم. قال مالك في هذا، وقال في المال: إنه إن لم يفرط فضاع المال أنه لا يضمن، وقال في الماشية: ما ضاع منها قبل أن يأتيه المصدق أنه لا يضمن، قال: وكذلك قال مالك في هذا. قلت: فما باله ضمنه في الحنطة والشعير والسلت والتمر ما ضاع من زكاته قبل أن يأتيه المصدق؟ قال مالك: إذا ضاع ذلك ضمنه؛ لأنه قد أدخله بيته، قال ابن القاسم: فالذي أرى أنه إذا أخرجه وأشهد عليه فتأخر عنه المصدق فلا ضمان عليه، وقد بلغني أن مالكًا قال في ذلك: إذا لم يفرط في الحبوب فلا ضمان عليه (١). ويرى القرافي: أن الزكاة ما دامت معينة بوجود نصابها لا تكون في الذمة، فإذا أتلف النصاب بعذر لا يضمن نصيب الفقراء، ولا ينتقل الواجب إلى الذمة(٢). وقال ابن عبد البر: من وجبت عليه زكاة فعزلها وأخرجها فتلفت منه بغير تفريط فلا شيء عليه.(٣) وفي مذهب الإمام الشافعي قال النووي: قال أصحابنا: تفريقه بنفسه أفضل من التوكيل بلا خلاف؛ لأنه على ثقة من تفريقه، بخلاف الوكيل، وعلى تقدير خيانة الوكيل لا يسقط الفرض عن المالك؛ لأن يده كيده، فما لم يصل المال إلى المستحقين لا تبرأ ذمة المالك(١). وفي مذهب الإمام أحمد قال ابن مفلح: من أخرج زكاة فتلفت قبل أن يقبضها الفقير لزمه بدلها(٢). وقال ابن قدامة: الزكاة لا تسقط بتلف المال فرط أو لم يفرط، هذا المشهور عن أحمد، وحكي عن الميموني أنه إذا تلف النصاب قبل التمكن من الأداء سقطت الزكاة عنه، وإن تلف بعده لم تسقط وحكاه ابن المنذر مذهبًا لأحمد، ثم قال ابن قدامه بعد ذلك: والصحيح -إن شاء الله- أن الزكاة تسقط بتلف المال إذا لم يفرط في الأداء؛ لأنها تجب على سبيل المواساة، فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال وفقر من تجب عليه.(٣) والله - تعالى- أعلم. قلت: هذه خلاصة آراء عدد من الفقهاء، والصواب -والله أعلم- سقوط الزكاة عن صاحبها إذا تعرضت للتلف، ومن ذلك ما لو تعينت زكاة الزرع ثم اجتاحته جائحة فتلف، ومن ذلك ما لو تعينت الزكاة على أنواع من الأنعام وقبل أدائها تعرضت هذه الأنعام لآفة سماوية، كالصواعق والبرد فهلكت الأنعام سقطت الزكاة عن صاحبها. ومن ذلك ما لو عين صاحب المال زكاة ماله ثم سرقت قبل أن تصل إلى مستحقيها سقطت عنه الزكاة، مادام أنه لم يفرط في حفظها، وفي هذا يكون التفريط وعدم التفريط هو المعيار في الوجوب وعدمه، فإذا كان صاحب المال قد وضع زكاة ماله في مكان غير آمن فقد فرط، ويجب عليه إخراج الزكاة مرة أخرى، والعكس بالعكس. فالقول بعدم سقوط الزكاة عن صاحبها بعد سرقتها يتعارض مع الأسباب المشروعة، وقد رفع الله -عز وجل- عن عباده ما لا يقدرون عليه، فقال -عز ذكره -: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] وقال -جل في علاه -: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦]. هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخ فإن كان وكيل المزكي قد فرط في وصول الزكاة إلى مستحقيها ضمن ما فرط فيه، وليس على المالك من شيء، أما إذا كان الوكيل لم يفرط فيما وكل إليه فليس عليه شيء، لا هو ولا صاحب الزكاة. والله تعالى أعلم
ملف PDF