حكم شهادة النساء فيما لا يحل للرجال من غير ذوي المحارم

قال الشافعي رحمه الله تعالى: "وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْمَحَارِمِ أَنْ يَتَعَمَّدُوا النَّظَرَ إِلَيْهِ لِغَيْرِ شَهَادَةٍ مِنْ ولادَةِ الْمَزْأَةِ وَعُيُوبِهَا الَّتِي تَحْتَ ثِيَابِهَا وَالرَّضَاعُ عِنْدِي مِثْلهُ لَا يَحِلُّ لِغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى ثَدْيِهَا وَلَا يُمْكِنُّهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى رَضَاعِهَا بِغَيْرِ رُؤْيَةِ ثَّدْيَيْهَا". قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَجُوزُ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: الْوِلَادَةُ وَالاسْتِهْلَالُ، وَالرَّضَاعُ، وَعُيُوبُ النَّسَاءِ الَّتِي تَحْتَ الثَّيَابِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: لا تقبل شهادتين إلا في الولادة وحدها، واستدلالا بِأنَّ الرَّضَاعَ يَجُوزُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ الرَّجَالُ من ذوي المحارم، فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهِ النِّسَاءُ عَلَى الانْفِرَادِ كَالَّذِي يَجُوزُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ اْلأجَانِبُ. وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ، وَكُنَّ فِيهِ عَلَى اسْتِتَارٍ وَصِيَانَةٍ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ كَالْوَلادَةِ، وَخَالَفَ الزِّنَا لِأَنَّهُنَّ

هَتَكْنَ فِيهِ الْعَوْرَةَ فَلَمْ تُقْبَلْ فِيهِ إلََّ الرَّجَالُ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسْتَوْفَى فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فَإِنْ شَهِدَ الرَّجَالُ بِذَلِكَ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ لِلنَّظَرِ فَهُمْ عَلَى الْعَدَالَةِ وَشَهَادَتُهُمْ مَقْبُولَةٌ، وَإِنْ تَعَمَّدُوا النَّظَرَ لِغَيْرِ الشَّهَادَةِ كَانُوا فَسَقَةً لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَإِنْ تَعَمَّدُوا النَّظَرَ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ فَفِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ لِأَصْحَابِنَا ثَلَاثَةِ أَوْجُهِ: أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدِ الإِصْطَخْرِيَّ إِنَّهُمْ فَسَقَةٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، لأنهم عمدوا النَّظَرَ إِلَى عَوْرَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهُمْ عَلَى الْعَدَالَةِ وَشَهَادَتُهُمْ مَقْبُولَةً لِمَا فِي النَّظَرِ مِنَ اْلأَحْكَامِ الَّتِي يَلْزَمُ حِفْظُهَا فِي حُقُوقِ اللهِ تَعَالَى وَحُقُّوقِ اْلآدَمِيِّينَ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّهُمْ يُقْبَلُونَ في الزِّنَا وَلَا يُقْبَلُونَ فِيمَا عَدَاهُ، لِأَنَّ الزَّانِيَ قَدْ هَتَكَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ فَجَازَ النَّظَرُ إِلَيْهِ لإقَامَةِ حَدِّ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَخَالَفَ حُكْمَ مَنْ كَانَ عَلَى ستره وصيانته.

ملف PDF