أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي:
قال المزني: قال الشافعي : وإذا أراد الذي عليه الدين إلى أجل السفر
وأراد غريمه منعه لبعد سفره وقرب أجله أو يأخذ منه كفي به منع منه
وقيل له: حقك حيث وضعته ورضيته.
قال الماوردي: وهذا صحيح، إذا أراد من عليه الدين المؤجل أن يسافر لم
يكن لصاحب الدين منعه، ولا أن يطالبه برهن ولا كفيل، سواء كان السفر
قريبًا أو بعيدًا، وسواء كان الأجل طوي أو قصيرًا، حتى لو كان الباقي منه
يوم أو بعضه لم يكن له عليه اعتراض، فإن تعرض لمنعه منعه الحاكم منه.
وقال مالك: له أن يطالبه إذا أراد السفر برهن أو كفيل، فإن أعطاه
بدينه رهنًا أو كفي وإلا كان له أن يمنعه من السفر، قال: لأنه إذا حل
الدين وهو غائب لم يقدر على الوصول إليه، ودليلنا: أن كل ما لم يستحق
مطالبة المقيم به لم يستحق مطالبة المسافر به كالأداء، ولأن كل دين لا
يستحق أداؤه لا يستحق التوثق به كالحاضر، ولأنه لو جاز أن يستحق
هذه المطالبة في المداينات لجاز أن يستحق في نفقات الزوجات، ولو جاز
أن يطالبه بذلك إذا سافر لبعد عوده جاز أن يطالبه به إذا أقام خوفًا
من هربه، بل يقال له: حقك حيث وضعته من الذمم، وإلى الوقت الذي
رضيته من الأجل، وقد كان يمكنك الاحتياط فيه لنفسك باشتراط الوثيقة
من الرهن أو الضمان في وقت العقد، فتأمن ما استحدث خوفه، فصرت
بترك ذلك مفرطًا.
فإذا ثبت ما ذكرنا نظر في سفره، فإن كان لتجارة أو زيارة لم يعرض
له، فإن كان سفر جهاد سفر من عليه الدين المؤجل من أجل الجهاد، فعلى
وجهين: أحدهما: لا اعتراض عليه فيه كغيره من الأسفار.
والوجه الثاني: له أن يعترض عليه، ويطالبه بالوثيقة، لأن في سفر
الجهاد تعريضًا للشهادة، فخالف غيره من الأسفار، والله أعلم.