أحكام المفقود

إذا غاب الرجل عن امرأته، لم يخل من حالين: أحدهما، أن تكون غيبة غير
منقطعة، يعرف خبره، ويأتي كتابه، فهذا ليس لامرأته أن تتزوج في قول
أهل العلم أجمعين، إلا أن يتعذر الإنفاق عليها من ماله، فلها أن تطلب فسخ
النكاح، فيفسخ نكاحه. وأجمعوا على أن زوجة الأسير لا تنكح حتى تعلم يقين
وفاته. وهذا قول النخعي، والزهري، ويحيى الأنصاري، ومكحول، والشافعي،
وأبي عبيد، وأبي ثور، وإسحاق، وأصحاب الرأي. وإن أبق العبد، فزوجته على
الزوجية، حتى تعلم موته أو ردته. وبه قال الأوزاعي، والثوري، والشافعي،
وإسحاق وقال الحسن: إباقه طلاقه.
ولنا أنه ليس بمفقود، فلم ينفسخ نكاحه، كالحر، ومن تعذر الإنفاق من ماله
على زوجته، فحكمها في الفسخ حكم ما ذكرنا، إلا أن العبد نفقة زوجته على
سيده، أو في كسبه، فيعتبر تعذر الإنفاق من محل الوجوب.
الحال الثاني، أن يفقد، وينقطع خبره، ولا يعلم له موضع، فهذا ينقسم
قسمين: أحدهما، أن يكون ظاهر غيبته السلامة، كسفر التجارة في غير مهلكة،
وإباق العبد، وطلب العلم والسياحة، فلا تزول الزوجية أيضا، ما لم يثبت
موته.
وروي ذلك عن علي. وإليه ذهب ابن شبرمة، وابن أبي ليلى، والثوري، وأبو
حنيفة، والشافعي في الجديد. وروي ذلك عن أبي قلابة، والنخعي، وأبي عبيد.
وقال مالك، والشافعي في القديم: تتربص أربع سنين، وتعتد للوفاة أربعة
أشهر وعشرا، وتحل للأزواج؛ لأنه إذا جاز الفسخ لتعذر الوطء بالعنة، وتعذر
النفقة بالإعسار، فلأن يجوز هاهنا لتعذر الجميع أولى، واحتجوا بحديث عمر
في المفقود، مع موافقة الصحابة له، وتركهم إنكاره.
ونقل أحمد بن أصرم، عن أحمد: إذا مضى عليه تسعون سنة، قسم ماله.
وهذا يقتضي أن زوجته تعتد عدة الوفاة ثم تتزوج.
قال أصحابنا: إنما اعتبر تسعين سنة من يوم ولادته؛ لأن الظاهر أنه لا
يعيش أكثر من هذا العمر، فإذا اقترن به انقطاع خبره، وجب الحكم بموته،
كما لو كان فقده بغيبة ظاهرها الهلاك. والمذهب الأول؛ لأن هذه غيبة ظاهرها
السلامة، فلم يحكم بموته، كما قبل الأربع سنين، أو كما قبل التسعين، ولأن
هذا التقدير بغير توقيف، والتقدير لا ينبغي أن يصار إليه إلا بالتوقيف؛ لأن
تقديرها بتسعين سنة من يوم ولادته، يفضي إلى اختلاف العدة في حق المرأة
باختلاف عمر الزوج، ولا نظير لهذا، وخبر عمر ورد في من ظاهر غيبته الهلاك،
فلا يقاس عليه غيره.

ملف PDF